الجيوبوليتك .. والنظريات العالمية للقوة
الجيوبوليتك: هو علم علاقة الأرض بالعمليات السياسية وموضوعة يقوم على قاعدة جغرافية عريضة فمنذ النصف الأول من القرن التاسع عشر والنظريات العالمية للقوة تأخذ أبعادها الجيوبوليتكية على صعيد التطبيق العملي ولازالت تلك النظريات حتى الوقت الحاضر رغم تطور المفاهيم والأسلحة
تفسر لنا كثيراً من تصرفات الدول أو القوى السياسية ولازلنا نرجع تصرف دولة ما إزاء ما يجاورها أو ما يبعد عنها من الدول إلى النظرية الجيويوليتكية فعندما نحلل النظرية التوسعية التي يتبعها الكيان الصهيوني فإننا نجد أن أبعادها ومعطياتها تستند إلى النظريات التي سوف أشير إليها بشكل مباشر وكذلك الحال عندما نريد تحليل تصرفات الولايات المتحدة الأمريكية أو تدخلها في هذه الدولة أو تلك فلا بد أن نرجعه إلى نظرية جيوبوليتيكية أو أكثر ومن هذه النظريات ما يأتي:
ناصر الخذري
نظرية المجال ( الحيوي) الطبيعي:
بعد انتصار ألمانيا على فرنسا عام 1870م وظهورها دولة منافسة لبريطانيا في الصناعة والتجارة برزت فكرة المجال الحيوي بشكل رئيسي على يد الجيوبوليتيكي الألماني فرديك راتزل (1844-1940) الذي مكنته معرفته الواسعة في العلوم الطبيعية والجغرافية وجولاته في كل من أوروبا وأمريكا الشمالية من إعطاء الجغرافيا السياسية البعد التطبيقي المتمثل بالجيبولتيك فقد كان أستاذا يدرس العلوم السياسية أعد في حياته (24مجلة و100 بحث) أكد فيها دوما على فكرة المجال وأنذر من آمن بأفكاره من الألمان بأن اضمحلال كل الدول سيرتبط بقناعتها بمجال صغير فقد كان يصر على أن المجال لا يعد عربه للقوى السياسية بل أنه قوة سياسية على درجة كبيرة من الأهمية حيث برز تأكيده على المجال في كتابة ( قوانين النمو الإقليمي للدولة )الذي نشره في لايبزك عام 1896م فقد صاغ فكرة المجال على أساس أن الأرض صغيرة جداً لا تتسع لأكثر من دولة عظيمة موحدة، وبطبيعة الحال فإن الدولة المقصودة هي ألمانيا وقد تبنى هتلر صراحة تلك المبادئ لأغراض التطبيق في أوروبا في المراحل الأولى ولذلك نجده يقول- في كتابه" كفاحي" في الفصل الرابع عشر وفيما يتعلق بسياسية ألمانيا الخارجية يجب ألا يسمح بتكوين قوتين قاريتين في أوروبا فأية محاوله لتنظيم قوة عسكرية ثانية على حدود ألمانيا يعد بمثابة هجوم ضدها.
واعتبر راتزل الدولة شبيهة بالكائن الحي العضوي الذي يتطور إلى أشكال عليا أو يتفسخ وينحل فبقاء الدولة دون حركة يعني فقدانها لخاصيتها وحيويتها ويرى أن الجغرافيا والمجال هما اللذان حلا لغز العالم ويضيف أن الحياة حركة وإن سطح الأرض ثابت لا يتغير ومن واجب الإنسان أن يزيد من قوة الحركة فالدولة عنده منظمة بشرية وعلى الدولة أن تتسع .
لقد وضع راتزل مجموعة من القوانين أطلق عليها أسم قوانين التوسع السبعة حيث أدعى أنه بموجب هذه القوانين تنمو الدول وتتسع رقعتها الإقليمية وهذه القوانين هي:
1 - إن رقعة الدولة تزداد بنمو الثقافة فكلما انتشر السكان وحملوا معهم طابعاً ثقافيا خاصا فإن الأراضي الجديدة التي يحتلها هؤلاء تزيد من مساحة الدولة .
2 - إن نمو الدولة يتبع مظاهر التطور الأخرى فيها كالأفكار والإنتاج التجاري والنشاط البحري.
3 - إن نمو الدولة يبدأ بدمج وامتصاص الوحدات الصغيرة
4 - إن الحدود تكون العضو الخارجي للدولة وتبعا لذلك فهي دليل للنمو والقوة والتغيرات العضوية.
5 - تنسع الدولة في نموها إلى أن تضم إليها من الناحية السياسية أجزاء قيمة مثل السواحل ومجاري الأنهار والسهول وأقاليم غنية بمصادر الثروة.
6 - إن الباعث للنمو الإقليمي بالنسبة للدول البدائية يأتي من الخارج على يد حضارة أعلى من حضارتهم.
7 - إن الاتجاه العام لضم أجزاء قيمة نقل نزعة النمو الاقليمي من دولة لدولة وتزداد هذه النزعة حدة أثناء عملية النقل وينطبق على هذا القانون المثل القائل ( إن الشهية تأتي أثناء الأكل)
أن هذه القوانين وضعت لتدعم فكرة التوسع الألماني يقول راتزل يوجد على هذه الكوكب الصغير مكان كاف لدولة وحداة فقط وأن أوروبا واستراليا اللتين تشملان (7،2%و6،6%) من اليابس في العالم لا تسمح كل منهما إلا لقيام دولة عظيمة واحدة وإن المجال قوة سياسية وليس مجرد عربة لقوى سياسية.
وقد تبنى حكام ألمانيا ودوائرها العسكرية آنذاك آرائه التي تركت رد فعل حاد ضد بسمارك ودوره في السياسة الخارجية والذي كان يرى أن الإمبراطورية الألمانية ما هي الا تسمية رسمية لاتحاد يضم مختلف الدويلات الألمانية الصغيرة في وحدة سياسية تحت زعامة بروسيا كما كان لا يأبه في الحصول على مستعمرات ولا يهتم بإقامة قواعد بحرية بينما الإمبراطور يوليام على النقيض من رأيه فقد كان يكره إنكلترا ويرغب في سلاح بحر قوى وقد نتج عن نظريات راتزل والتقدم العلمي أن دخلت ألمانيا الحرب العالمية الأولى عام 1941م لتحقيق مجموعة من الأهداف أهمها المجال الحيوي والذي لا يعني تصحيح خطأ معين أو حتى طلب ضم مقاطعة معينة بل أنه يشمل طلبات مختلفة لألمانيا من أجل الحصول على مجالات مختلفة لا حصر لها ومعنى هذا أن التزمت ألمانيا لحلفائها بأي شيء وقد صرح بهذه الفكرة القانون السابع الذي أشرنا إليه قد تبنت ألمانيا النازية هذه الدعوة ورحبت بها لأنها دعوة للتوسع العنصري وحجة لإنقاذ الألمان والمصالح الألمانية في النمسا أولا ومن ثم السويد ووسط أوروبا.
ومن الجيوبوليتيكيين الآخرين الذين آمنوا بنظرية المجال اللواء الدكتور كارل هاوسهوفر الذي التحق بخدمة جيش بافاريا وهو الذي أكد تحالف ألمانيا واليابان وقد شارك في الحرب العالمية الأولى وكان من طلابه أحد مساعديه في الحرب رودولف هيس الذي كان صديقا حميما لهتلر في سجنه في قلعه لاندزبرج ويقال أن هذه المقابلة وما دار فيها من نقاش أوحت لهتلر بالفصل الرابع عشر من كتابه "كفاحي" الذي حدد فيه أهداف السياسة الخارجية للحزب النازي الألماني وأصبح الوريث الفعلي له ولذلك نجد في كتاباته بروز فكرة المجال الحيوي التي تعتبر نواه العقيدة النازية حيث أعترف بنفسه أنه مدين لراتزل ولكيلين إذا أنه كان متأثرا إلى درجة كبيرة بفكرة المجال الحيوي فالمجال على حد تعبيره يتحكم في تاريخ البشرية ويقول هاوسهوفر مثلا إن حكم الولايات المتحدة الأمريكية لجزر هاواي يسير في طريقه إلى الزوال بسبب ما سيحدث من تسلط اليابان عليها من الناحتين البشرية والجغرافية وخلاصة القول أن نظرية المجال الحيوي التي ترى أن الدولة كائن عضوي قابل للتوسع والانكماش هي نظرية توسعية عدوانية خاطئة على الرغم من وجود من يؤيدونها ويدعون إليها كالأنظمة العنصرية ذات النزعات التوسعية في العالم فقد كان من نتائج الإيمان بتلك النظرية هو ما أصاب ألمانيا من تقسيم وضعف وجعلت من اليابان هدفا للقنابل الذرية.
وما يعانيه العالم من سيطرة إمبريالية وحروب شهدتها كوريا والشرق الأوسط وأفريقيا وما يحصل اليوم في غزة ما هو الا مظهر من مظاهر تلك النظرية فشعوب العالم ودوله تطمح إلى الاستقرار واستتباب الأمن والسلام لا الحرب والتوسع والاغتصاب.
ولقد هزمت الولايات المحتدة الأمريكية أمام فيتنام في آسيا وهزمت في نيكارجوا كما أنها مرشحة للهزيمة في أماكن أخرى في العالم وهاهي اليوم تنهزم أمام المقاومة الفلسطينية لأنها تبنت نظرية التوسع ذات المنهج العدواني يقابلها محور المقاومة الذي يتبنى نظرية قومية إنسانية غير عدوانية وغير عنصرية.
كما من المؤكد أن الكيان الصهيوني الذي يعتنق النظرية النازية في توسعه على حساب الأرض العربية الفلسطينية بتاريخها ونضالها المشهود له في مختلف المراحل.
نظرية الأرض القلب:
لم يحصل في التاريخ المعاصر أن جرى نقاش وتعليق على نظرية جيويوليتيكة مثلما حصل في نظرية الأرض القلب والتي طرحها الجغرافي البريطاني هالفورد ماكندر (1867م- 1947) والذي كتب كثيرا من الأبحاث والمقالات في مجال الجغرافيا السياسية حيث كان أستاذا في جامعة إكسفورد ولندن وقد أطلع على مختلف النظريات التي كانت تعالج مسألة التنازع الدائم لتحقيق السيطرة العالمية ومنها نظرية القوة البحرية كما تأثر بالأحداث التي عاصرها طوال حياته كالحروب التي نشبت في جنوب أفريقيا بين بريطانيا والبوير والتي استمرت حتى عام 1902م كذلك الحرب التي دارت بين اليابان وروسيا في مقاطعة منشوريا.
وإن هذه الأحداث وما تجمعت لديه من ملاحظات وخبرات لمدة طويلة دفعته إلى إعادة النظر في دراسة تتابع وتدفق القبائل التي كانت تجوب منطقة حشائش الاستبس في أواسط آسيا باتجاه أوروبا والشرق والأوسط والهند والصين خلال العصور الوسطى وإن هذه النوع من الدراسة كان كفيلا وضع فرضية جديدة أو نظرية تعبر عن إدراك كامل لنوع العلاقات الدولية وتساعد في الوقت نفسه على توقع ما سيحدث ويستجد من الأحداث السياسية والعسكرية في المستقبل وكحصيلة لجهوده العملية هذه وضع ما كندر نظريته المشهورة باسم الأرض القلب heart land)) أو ما يعبر عنها أحيانا بنظرية القوة البرية في مثاله (المحور الجغرافي)the Geographical of History) ) حيث تعتبر هذه النظرية من المساهمات الكبيرة والبارزة في ميدان عمل الجغرافيا السياسية والجيويولتيك وذلك من خلال تقييمها للقوى السياسية في العالم على ضوء العوامل الجغرافية وعلى أساس توزيع المياه واليابس.
لقد كان شعور ما كندر عندما وضع هذه النظرية يقوم على أساس أن مثير الصراع الدائم والمستمر لتحقيق النصر هو في النهاية بجانب القوة البرية وليس بجانب القوة البحرية وقد استند في تقرير ذلك على الحقائق التالية:
1 - أن ثلاثة أرباع الكرة الأرضية تحتله المياه والربع الآخر يمثل اليابس.
2 - أن ثلثي الربع اليابس يمثل قارات آسيا، أوروبا، أفريقيا.
3 - أن المسطحات المائية بتواصلها تكون وحدة طبيعية متكاملة أطلق عليها ما كندر أسم محيط العالم (World ocean)
4 - أن القارات الثلاث التي تمثل العالم القديم تمثل هي الأخرى وحدة طبيعية متكاملة كما عبر عنها ما كندر حيث أطلق عليها أسم جزيرة العالم(World Island).
5 - أن سبعة أثمان من سكان العالم يسكنون جزيرة العالم في حين يتوزع الثمن الباقي على بقية قارات العالم وجزره
أن هناك في جزيرة العالم توجد سهول داخلية واسعة تتمتع بحماية طبيعية من مختلف الجهات وهذه السهول تمتد من البرزخ الواقع بين بحر البلطيق شمالا والبحر الأسود جنوبا والى مسافة 2500ميل" حتى نهر ينساى أو هضبة لتيالند شرقا اي أن تلك السهول محصورة بين المحيط المتجمد الشمالي حتى الحواجز الجبلية التي تمتد ابتداء من تركيا لغاية منغوليا وأن مساحة تلك السهول قدرت بحدود 4ملايين ميل مربع وهذه السهول تمتلك إمكانيات اقتصادية هائلة بسبب غناها بالموارد الطبيعية وقد أطلق ماكندر على تلك السهول مصطلح قلب الأرض أو منطقة السويداء حيث انه يتمتع بخصائص جغرافية قادرة على حمايته من اي غزو خارجي فقسم أنهاره التي تتميز بالتصريف الخارجي أمثال نهر لينا وينساى وأوبي التي تنساب مياهها باتجاه الشمال إلى المحيط الشمالي والقسم الآخر يتصف بالتصريف الداخلي وأن مياهها تنصرف نحو المسطحات المائية الداخلية كبعض البحار المحلية المغلقة مثل نهر الفولكان الذي ينتهي عند بحر قزوين الداخلي المغلق ونهرا سيحوت وجيحون إلى بحر آرال المغلق أيضا وهذا يعني أنها بعيدة عن منال المواصلات البحرية والنهرية وبناء على ذلك فإن المنافذ المائية الوحيدة التي تستطيع عن طريقها قوات بحرية معادية أن تقتحم ها القلب هما بحر البلطيق والبحر الأسود علما بأن مياه بحر البلطيق الساحلية تتجمد لفترة ثلاثة أشهر في السنة على أقل تقدير أما الحدود البرية لهذا القلب فهي في مأمن من الهجوم الخارجي كذلك وذلك بسبب وجود حواجز جبلية وهضبة تحول دون ذلك وهذا الاقليم عبارة عن هضبة وعرة جدا ضمن منطقة شرق سيبريا التي تبلغ مساحتها (3ملايين ميل مربع) أما الجهة الجنوبية الشرقية فتوجد فيها سلاسل جبلية ضيقة أهمها جبال التاي وتيان شان التي تمتد عبر الصحاري القاحلة لإقليم منغوليا وسينكانج ومن جهة الجنوب تحادد القلب جبال هندكوش من جهة الجنوب الغربي توجد جبال الكريات التي تؤلف حاجزاً دفاعيا طبيعيا وهناك بحر البلطيق وفيافي اللابلاند في الشمال الغربي ومن ذلك يتضح الجهة الشمالية الغربية هي الوحيدة التي تمثل أرضا سهلية تقع بين جبال لكريات وبحر البلطيق وهي بهذا تمثل مصدر خطر على قلب الأرض لأنها استخدمت عدة مرات عبر التاريخ من قبل الطامعين بالاستيلاء على هذه المنطقة.
صفات منطقة السويداء ( قلب الأرض)
تتمتع منطقة السويداء أو القلب الأرضي يوليام على النقض الأرض قلب الأرض بالموقع الجغرافي المركزي بالنسبة لروسيا وسهولة الحركة ومرونتها باعتبارها منطقة سهلية منبسطة وواسعة ولذلك توقع ماكندر إمكانية أنتشار خطوط السكك الحديدية في مناطق واسعة فيها واستخدام أجوائه في النقل الداخلي واستخدام أنهاره لذات الغرض مما سيؤدي بالتالي إلى توسعه وازدياد ضغطه على جميع الجهات وقد استنتج هذا الافتراض من خلال الأحداث التاريخية التي حدثت في هذه المنطقة فقد كانت موطنا للجماعات الرعوية المتنقلة من أصحاب الخيول والإبل تلك المجموعات التي شنت هجماتها عبر التاريخ باتجاه المناطق المجاورة ومثلت ضغوطا بالغة الأثر على منطقة الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا وعلى قارة أوروبا أيضا ولم تشر مصادر التاريخ القديم والوسيط إلى غزو قلب الأرض من الخارج كما أن صفة الاتساع التي تميز بها تعطي لروسيا ميزة الدفاع بعمق Defense in depth ) ويقدم لها الفرصة الكافية لكسب الوقت Space for time)) ولا سيما خلال عملية تراجع قواتها أمام العدو.
النتائج التي توصل إليها ماكندر في نظريته.
بعد استعراض طبيعة تلك المنطقة وخصائصها توصل ماكندر إلى نتيجة رئيسية مفادها : إذا اتيح لقوة من القوى العالمية أن تسيطر على الكتلة الأوراسية الأفريقية جزيرة العالم فسوف يكون لهذه القوة وضع يشجعها على القيام بغزو العالم طالما كانت سيطرتها مبسوطة على ثلثي مساحة العالم وسبعة أثمان سكانه ولذلك سوف لا يكون في مقدور أية قوة بحرية أن تتحداها إذ سيكون في حوزة القوة البرية أمر الهيمنة على القواعد البحرية الواقعة على حافات اليابس الذي تسيطر عليه ومن هذه القواعد جبل طارق وقناة السويس وباب المندب وعدن ومضيق هرمز وبومباي وسنغافورة وغيرها.
كما أن في وسع هذه القوة التي تمتلك موارد طبيعية هائلة وعددا سكانيا كبيرا ان تنشئ لنفسها قوة بحرية هائلة وأن تضم إليها الجزر المتاخمة لسواحلها والتي ترى فيها أهمية أن تحقيق السيطرة على هذه الكتلة يكون من خلال قوة تقوم باحتلال السهول الداخلية لكتلة أوراسيا المحمية بالمظاهر الطبيعية من جهاتها الثلاث التي أشرنا أليها وأن القوة التي تحتل هذه السهل سوف تكون غير معرضة للهجوم باستثناء الجهة الغربية حيث سيكون بإمكان القوة المسيطرة على قلب الأرض أن تستثمر مواردها لتكوين وتطوير وإنماء دولة زراعية صناعية ذات قوة كبيرة ويصحب مثل هذا التطوير والنمو تهيئة الفرصة لمثل هذه الدولة لأن تنطلق خارج حدودها لتقوم بغزو أوروبا والشرق الأوسط والهند وشرق آسيا عند ذلك سيتاح لها، بالتدرج كسب الهيمنة على الكتلة اليابسة جمعاء وإذا ما تم لها ذلك يصبح بمرور الزمن في الإمكان ضم كل من أستراليا وجميع أجزاء نصف الكرة الغربية إليها ولأغراض التطبيق قسم ماكندر أوروبا إلى قسمين أطلق عليهما أسم الشرق والغرب وافترض خط التقسيم من بينهما الخط الممتد اعتبارا من بحر البلطيق شمالا إلى البحر الادرياتيكي جنوبا وهو خط يمتد بين ميناء سيتين على ساحل بحر البلطيق شمالا إلى ميناء تريسته على ساحل بحر الأدرياتيك جنوبا حيث وصف القسم الأوروبي الشرقي بأنه الأرض التاريخية للمنازعات التي قامت بين الجماعات التيوتونية والجماعات السلاقية كما لاحظ أنه لم يتحقق بين هذه القوى أي نوع من أنواع التوازن بصورة ثابتة وناجحة في عصور التاريخ المختلفة وقد أشار ما كندر أيضا إلى انه بمرور الزمن يمكن أن تصبح الهيمنة على شرق أوروبا بيد الجماعات التيوتونية تارة وبيد الجماعات السلاقية في روسيا تارة أخرى وذلك نتيجة لوقوع نوع من التصادم بينهما يمكن أن يؤدي إلى انتصار أحد الفريقين.. إن الأهمية التي أعطاها ماكندر للولايات المتحدة الأمريكية جاءت متأخرة حيث وردت ضمن تعديله لنظريته عام 1943م وذلك نتيجة للأهمية التي تمتعت بها بعد الحرب العالمية الأولى وأثناء الحرب العالمية الثانية حيث قال أن الولايات المتحدة الأمريكية هي الدولة الوحيدة التي يمكنها أن تصبح قوة منافسة لقلب الأرض استنادا إلى إمكانياتها الكبيرة ومؤهلاتها الدولية لان تاريخ العالم ما هو إلا الصراع بين القوتين البرية والبحرية ولكنه كان يميل إلى انتصار الدولة البرية باعتبار أن عهد الدول البحرية قد ولى وأدبر منذ انتهاء الكشوف الجغرافية كما نظر ماكندر إلى القوة الجوية باعتبارها سلاحا مكملا للقوة البرية وليس إلى جانب القوة البحرية وذلك لان الموقع الجغرافي المركزي لقلب الأرض يعطيه ميزة كبيرة في الحرب الجوية وعلى هذا الأسس سوف يصبح استخدام البحار المحيطة بقلب الأرض مستحيلا دون الحصول على موافقة قوة أكبر لأن هذه القوى تستطيع أن تغلق الطرق الملاحية البحرية بواسطة القوى الجوية المقامة في قواعدها.
إن الذي يتمعن في التنظيم الجيوبولتيكي الذي أورده ماكندر يدرك مدى المخاوف التي كانت تساور هذا الجيوبوليتكي من نشوء دولة قارية كبيرة في منطقة قلب الأرض حيث ستمتلك قدرة على التوسع في المناطق المجاورة في قارتي أوروبا وآسيا إذ أن كثرة الموارد وتنوعها في المنطقة القارية تكون كفيلة لبناء أكبر قوة حربية في العالم تكفي لتحقيق فكرة الإمبراطورية العالمية وبالتالي سوف تصبح جزيرة العالم مسرحا كبيرا وقاعدة ضخمة للقوى البحرية والبرية والجوية لا يسع بقية أجزاء العالم الا أن تخضع لها وقد اقترح ماكندر لمثل هذه الدولة أن يقوم اتحاد بين ألمانيا وروسيا سواء كان ذلك يعتقد بأن ألمانيا سوف تحاول غزو قلب الأرض وبسط نفوذها عليه وبالتالي على العالم كله وذلك لعدم وجود حواجز تفصل بين السهل الألماني والروسي ولذلك كتب في الحرب العالمية الثانية رأيا مفاده إذا خرج الاتحاد السوفيتي من الحرب منتصرا على ألمانيا فأنه سوف يصبح اكبر دولة برية على سطح الأرض لأنه يمثل أقوى حصن استراتيجي في العالم وإذا ما استطاع السيطرة على جزيرة العالم فإن العالم الجديد سيصبح محاصرا من الغرب والشرق كجزيرة أقل وزنا وقوة بين ذراعي الجزيرة العالمية وبناء على كل ذلك فقد وضع ماكندر نظريته بالشكل التالي:
1 - من يحكم أوروبا الشرقية يهيمن على قلب الأرض باعتبارها الباب المفتوح إلى القلب.
2 - من يحكم قلب الأرض يسيطر على جزيرة العالم وقارات العالم القديم.
3 - من يحكم جزيرة العالم يسيطر على العالم كله
ونجد من الضروري الإشارة هنا إلى أن هذه النظرية وضعت في وقت لم يكن فيه التطور العلمي والتكنولوجي قد وصل مراحل متفوقة الا أن ماكندر أخذ يراقب التحولات المفاجئة ويواكب مسيرتها حتى التي حملته على أجراء تعديلات في نظريته حيث اجرى التعديل الأول عم 1919 م وكان مضمونه اكتشاف منطقة إستراتيجية أخرى تقع جنوب الصحراء الكبرى أطلق عليها اسم القلب الجنوبي أما التعديل الثاني فقد جاء به عام 1943م حيث ظهر فيه مصطلح جديد هو الحوض الأوسط الذي كان يقصد به المنطقة المحددة شمال المحيط الأطلسي وشرق الولايات المتحدة الأمريكية وغرب أوروبا وافترض أن يقوم وسط شرق أوروبا الذي أطلق عليه اسم (German rcalay) بدون الفصل بين الحوض الأوسط من جهة وقلب الأرض من جهة أخرى ومن أجل القضاء على القوة العسكرية الألمانية المتمركزة في الوسط دعا ماكندر إلى ضرورة التعاون بين قلب الأرض ودول الحوض الأوسط وهذا ما حصل فعلا خلال الحرب العالمية الثانية حينما تمحورت كل من الولايات المتحدة الأمريكية وانجلترا وفرنسا فيما سمي بجبهة الحلفاء ضد ألمانيا النازية وعلى ضوء أحداث تلك الحرب صرح ماكندر بأن التهديد الحقيقي لقلب الأرض سوف يأتي من روسيا وليس من ألمانيا وهذا الرأي جاء متأثرا بالنتائج السلبية التي حصلت عليها المانيا من جراء غزوها لروسيا عام 1941م حيث اشتمل التعديل على تقليص في مساحة قلب الأرض بحيث استثنى منها أقليم ليتالند.
وفي ظل التطور التكنولوجي لاحظ ماكندر إمكانية استخدام المحيط المتجمد الشمالي لأغراض الملاحة البحرية لا سيما بعد أن رأى كاسرات الجليد تشق الطرق أمام السفن التجارية حتى وصلت إلى انهار أوبي وينسي ولينا.
ولكن رغم ذلك فقد ظل مؤمنا باستحالة هجوم القوات البحرية عبر هذا المحيط وعبور إقليم التندرا الواقع إلى الجنوب منه ثم اخترق غابات التايكا الممتدة شمال سيبيريا وأكد ماكندر على أهمية قلب الأرض وخاصة بعد هزيمة ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية حيث صرح بأنه أصبح اليوم يتمتع بقوة بشرية كفؤة من حيث العدد والنوعية يمكنها من حماية نفسها ضد اي غارة أو غزو أجنبي وبعد هذا التعديل الأخير صرح بأن نظريته أصبحت أكثر دقة وفائدة من ذي قبل.
أن أهمية هذه النظرية تبدو واضحة من خلال ما لاقته من نقاش وحوار وتصورات حول مدى أمكانية تطبيقها من عدمه فقد أشار إلى الإمكانيات الهائلة لقلب الأرض وكانت أمنيته الكبرى أن يرى ألمانيا تسيطر على هذا الجزء الحيوي من العالم وذلك من خلال تطبق مبدأ الغزو عن طريق تدبير انقلاب بعد عقد اتفاق أو تحالف مع الدولة المراد غزوها من خلال التدخل التدريجي فيها للنظم العسكرية والاقتصادية وبالمقابل فقد برهنت الأحداث العملية صحة جوانب عديدة مما ورد في نظرية ماكندر فقد تعرضت روسيا مثلا لهجوم عسكريين من ألمانيا عن طريق السهل الأوروبي ولكن رغم ذلك لم تستطع هزيمة روسيا نتيجة للمزايا التي يتمتع بها ذلك القلب وتكييف استثمارها بما يخدم روسيا بل أن الأحداث إلى الوقت الحاضر تؤكد رغبة روسيا في احتلال القلب والوصول بحرية إلى مياه البحر المتوسط والخليج العربي وبالتالي الوصول إلى الأقطار المطلة عليها وكذلك الامتداد إلى مياه وبحار شرق آسيا وهو ما يفسر كثيرا من الأحداث التي جرت بين روسيا وأفغانستان وحاليا بينها وبين أمريكا والاتحاد الأوروبي الذي برز بشكل واضح في أوكرانيا في حربها ضد روسيا.
لقد أصبح الإستراتيجيون الغربيون بشكل خاص ينظرون إلى العالم اليوم نظرة الجيوبوليتكي ماكندر طوال النصف الأول من القرن العشرين فالإستراتيجية الغربية التي تبنت إقامة الأحلاف كحلف شمال الأطلسي الحلف المركزي حلف جنوب شرق آسيا ما هي الا محاولات لتطويق الأرض القلب بالقوة الروسية.
نظرية القوة البحرية
لم تقف نظريات القوة الجيوبولتكية للعالم عند حدود البر رغم امتلاكه لإمكانات متعددة فقد نظر الجيوبوليتكيون إلى البحر باعتباره يمثل من المقومات ما يجعله اهلا لقيام دول عظمى متأثرة فيه ويرد في مقدمة الجيوبولتيكيين البحريين الأدميرال الأمريكي الفرد ماهان وهو قائد بحري أمريكي نال شهرة واسعة كمؤرخ واستراتيجي بحري ممتاز لذلك عندما يكتب ماهان عن القوة البحرية فإنه يعني القوة العسكرية التي يمكن نقلها إلى البحر وإلى المكان المطلوب دون أن يعني مجرد الأسطول البحري ومن ثم فإن التحكم في البحر يعني لديه التحكم في القواعد البرية التي تتميز بالمواقع الإستراتيجية المتحكمة في النقل البحري والقواعد البحرية التي تحميها أشكال الساحل من جهة وأعماق أظهرها من جهة ثانية
لقد برزت آراء "ماهان" في القوة البحرية في كتابه الأول "مشكلات آسيا الذي نشر عام 1900م" حيث يركز فيه على مشكلات أوروبا وآسيا واعتقد أن قارات العالم الشمالية هي مفتاح السيطرة العالمية وأن قناتي السويس وبنما هما الحدود الجنوبية لعالم الشمال المتميز بتكاثف الحركة التجارية والسياسية العالمية..
ولذلك يؤكد ماهان أن أوروبا وآسيا هما أهم جزء في العالم الشمالي وأن روسيا تحتل موقعاً أرضيا مسيطرا في آسيا وأكد أنها ذات منعة ضد المهاجمين بل شعر أنه من غير الممكن مهاجمتها ومع ذلك فهو يرى في هذا الموقع الأرضي المنيع مساوئ معينه أهمها أنها كتلة أرضية محبوسة، وأن المناطق الآسيوية الواقعة بين درجات العرض 20-40 تمثل نطاق الاحتكاك والصراع بين روسيا وبريطانيا أي بين القوى البرية والقوى البحرية وبما أن ماهان يرى في القوة البحرية مفتاح السيطرة العالمية لذلك فإن تنبؤه يقوم على أساس إمكانية كل من بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية المتحالفتين للحصول على السيادة العالمية باستخدامها قواعد عسكرية تحيط بأوروبا وآسيا سواء عن طريق الاتفاقيات أو الاحتلال بما يتيح لها تفوق الحركة البحرية على الحركة الأرضية وبناء على ذلك فقد تنبأ "ماهان" بأن يقوم تحالف بين الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وألمانيا واليابان في وقت ما ضد روسيا والصين معا.
ومن دعواته في ذلك السياق هو تأكيده على ضرورة قيام الولايات المتحدة الأمريكية بإنشاء أسطول قوي وشق قناة بنما والحصول على قواعد بحرية لأمريكا في الخارج وهكذا احتلت أمريكا الفلبين عام 1898م بعد الحرب مع أسبانيا وكذلك فرضت حمايتها على جزيرة كوبا واحتلت جزر جوام وهاواي في وسط المحيط الهادي وجزر بورتوريكو لتأمين الملاحة في البحر الكاريبي.
وبذلك تتضح الآراء الجيوبولتيكية في تزويد قادة الدول بما يمكن أن يتخذوه من قرارات لزيادة قوة دولهم فقد اكتسبت الولايات المتحدة الأمريكية سيطرتها على مناطق مهمة في العالم نتيجة للآراء الجيوبولتيكية ولكن بالمقابل يجب القول أن الآراء الجيوبولتيكية قد تؤدي إلى إحداث نكسة كبيرة بالدول إذا لم يكن هناك تحسب ووضع احتمالات عديدة لذلك كما حصل في هزيمة ألمانيا رغم أن الخطأ لم يكن في التصورات الجيوبولتيكية وإنما في عدم توازن القرارات السياسية والعسكرية التي كانت تتخذها ألمانيا آنذاك.
نظرية الإطار الأرضي( الرملاند Rimland)
يوجد مابين البر والبحر الحافات التي قيمها الجيوبولتيكون ومن أبرزهم نيكولاس سبيكمان حيث وضع إستراتيجية تناهض تفوق القلب الأرضي وسيادته وقد كان يخشى سيطرة ألمانيا على القارة الأوروبية وبالتالي على الأرض القلب في أوروبا وآسيا وبذلك تكتسب ألمانيا السيطرة العالمية لهذا كان هدفه قيام تحالف بين الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا كقوتين بحريتين وروسيا كقوة برية لمنع ألمانيا من تنفيذ خططها لغزو العالم والسيطرة عليه لذلك أعتقد أن الهلال الهامش الذي يحيط بالأرض القلب هو مفتاح السيادة العالمية حيث نجده يسمى هذا الهلال بالإطار (Rimland) او الحافة وهي المنطقة التي تضم أوروبا الغربية البحرية والشرق الاوسط والهند وجنوب شرق آسيا والصين هذا الإطار يتمتع بعدد كبير من السكان ومصادر ثروة غنية بالإضافة إلى استخدام البحر كخطوط حركة أساسية للتجارة والحرب وبذلك صاغ نظريته وفقا لما يلي.
1 - من يسطر على الإطار (Rimland) يسيطر على أوروبا وآسيا
2 - ومن يسيطر على أوروبا وآسيا يسيطر على العالم.
ولذلك نجد أن سبيكمان كان يخشى تمكن ألمانيا من السيطرة على الإطار المشار إليه بعد أن تحتل أوروبا الغربية ورغم إيمانه بأن الأرض القلب هي حقا قلب الكتلة الأرضية الكبيرة لكنه يراه قلبا ميتا لأنه حبيس الإطار من ناحية والتندرا والمحيط المتجمد الشمالي من ناحية ثانية كما أنه قليل الثروات باستثناء منطقة التركستان والأورال أما بقية القلب فيتكون من أراضي موحشة جافة أو تحتلها مساحات شاسعة من الغابات المخروطية والأراضي ذات الصقيع الدائم.
ولكن بالمقابل فإن الأخذ كليا بآرائه يعتبر ضربا من الخيال ذلك أن منطقة الإطار التي أشار إليها لا يمكن أن تكون قوة واحدة كما أنه ليس سوى نطاق هامش مهدد من الأرض القلب من الداخل والقوى الهامشية البحرية من الخارج وبريطانيا اليابان وشمال إفريقيا من المغرب إلى مصر ولهذا فإذا كان لقوى الحافة أن تنتج في تكوين وحدة أوروبية غربية فإن نجاحها يتوقف على أن تفرض أوروبا المتحدة سيادتها المطلقة على البحر المتوسط كله وعلى الشرق الأوسط كخطوة أولى ثم السيطرة على بقية أفريقيا واستراليا كخطوة ثانية تمهيدا للخطوة الحاسمة وهي السيطرة على بقية مناطق الحافة في آسيا الجنوبية والشرقية وهذه الحالة لا يمكن تحقيقها الا إذا كان هناك اتفاق وتفاهم بين القوة الأوروبية المتوسعة وبين قوة الأرض القلب أو القوة الأمريكية وفي كلتا الحالتين فإن فكرة تكوين قوة واحدة تسيطر على الحافة كلها لا يمكن تحقيقها.
وبالمقابل يمكن القول أيضا أن الصين قد يمكنها السيطرة على جنوب وشرق آسيا ولكنها لن تتمكن من السيطرة على الحافة في أوروبا والشرق الأوسط دون الاتفاق مع قوى الأرض القلب وهو الآخر أمر لا يمكن تحقيقه ولكن يبقى الإطار في موقع المنافسة بين القوى الأخرى الخارجة عنه والممثلة بالولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وبريطانيا واليابان وتدخل إفريقيا جنوب الصحراء ضمن منطقة الإطار المتنافس عليها وهذا ما نشهده في استراتيجيات تلك الدول سواء كانت المعلنة أو التي لم تعلن بعد.
هكذا نجد من يقول أن بقاء منطقة الإطار مقسمة بين دول عديدة مستقلة أو محايدة أو مرتبطة بدول كبرى من شأنه الإبقاء على توازن القوى العالمية ويمنع تكوين قوة واحدة تسيطر على العالم رغم إننا نمتلك المميزات الكافية التي تجعل من أمر السيطرة عليها يمتد للسيطرة على العالم كله.
فالملاحظ الآن أن خطوط الحركة الداخلية بين الحافة والقوى الداخلية الكبرى كالصين الشعبية أقوى من القوى البحرية التي يمكن أن تدعم دول الحافة دون تدخل القوى الداخلية يمكن إيراد المثالين التالين من آسيا الشرقية والجنوبية الشرقية فالقوى البحرية الأمريكية تدعمها قواعدها الضخمة في اليابان والفلبين وحلف جنوب شرقي آسيا لم تستطع أن تمنع خطوط الاتصال الأرضي الداخلي بين الصين وروسيا وكوريا الشمالية وفيتنام إذا بقيت مثل مراكز قوى مناهضة للقوى الأمريكية البحرية والجوية والبرية كما أن تغلغل النفوذ الصيني عبر خطوط السكك الحديدية إلى سنكيانغ تركستان الصينية والنفوذ الصيني إلى التبت ويقابل ذلك روسيا المتقدمة من الأرض القلب صوب التركستان ولعل الخط الحديدي الذي يربط سنكيانع تركستان وروسيا أكثر من الصين، ولكن تبقى الصين الدولة الوحيدة من الدول التي تقع ضمن تحديدات سبايكمان التي تقع ضمن التوسع داخليا على خطوط الانتقال والحركة إلى مساحات كبيرة بينما لا يمكن لأوروبا أن تتوسع في الأرض المقابلة لها من الداخل لأنها تقع تحت الضغط المباشر للأرض القلب والقوى الروسية.
6- نظرية القوة الجوية:
إن المتغيرات التي حصلت في العالم خاصة منذ الربع الثاني من القرن الماضي أكدت على أن نظريتي القوى البرية والبحرية ليست وحدهما اللتين تقرران حاضر ومستقبل البشرية وذلك لان نمو عصر الطيران أدى إلى أن تتغير كثير من النتائج التي أوجدتها النظريات السابق فعلى سبيل المثال كتب مكلايش مقالا نشره عام 1942م تحت عنوان "توقع النصر" أفاد فيه بان الطائرة سوف تغير جغرافية العالم وتاريخه وأن القوى الجوية سوف تقرر مصير النصر.
وفي عام 1944م أشار رينر إلى أن الطرق الجوية التي ربطت بين الهرتلاند الأوروبي الآسيوي وهرتلاند اصغر في أمريكا الشمالية عبر المنطقة القطبية وبذلك فإن تشكيلا جديداً لهرتلاند بواسطة الطيران قد جعلته يمتد في نصف الكرة الشمالية عبر المنطقة القطبية ولكن الهرتلاند الجديد يتصف بأنه مهدد بالخطر من إحدى القوتين اللتين تحتلانه فروسيا تهدد بقية الهرتلاند في الولايات المتحدة الأمريكية والعكس صحيح ولكنه يضيف أن الهرتلاند الجديد يمكن أن يكون قاعدة السيطرة العالمية أن يكون قاعدة السيطرة العالمية لأنه يتميز بالقرب المكاني من بعضه بواسطة خطوط الطيران وإمكانيات النقل البحري والبري أيضا وبذلك تتحول المنطقة القطبية الشمالية إلى بؤرة الحركة ومن ثم تصبح مفتاح النفوذ العالمي وفي عام 1950م نشر الجيوبوليتكي السوفيتي الكسندر دي سفرسيكي وهو أحد رجال القوة الجوية الروسية كتابه تحت عنوان" القوة الجوية مفتاح للبقاء"حيث أورد فيه خارطة للعالم على أساس المسقط القطبي للمسافات والانحرافات الصحيحة وتبعا لذلك أصبح الجنوب الغربي من العالم يقع في جنوب القطب والنصف الشرقي في شماله وكان الهدف من هذه الخارطة هو تحديد مجال قدرة القوة الجوية التابعة لكل من روسيا والولايات المتحدة الأمريكية وإمكانية سيطرتها على قارات العالم بعد أن آمن سفرسكي بفكرة تفوق السلاح الجوي وإخضاعه للقوة البحرية والبرية حيث حدد على الخارطة دائرتين صغيرتين الأولى تمثل القلب الصناعي الروسي والثانية القلب الصناعي الأمريكي أما الدائرتان الكبيرتان المتداخلتان فتحدد الأولى وهي الشمالية منطقة سيادة القوى الجوية الأمريكية التي تحتضن أمريكا الشمالية الجنوبية اما النطاق الذي يتداخل فيها النفوذات الروسية والأمريكي فقد عبر عنه سفرسكي باسم منطقة المصير لأهميته الإستراتيجية ويتكون هذا النطاق من المركزين الصناعيين الروسي والأمريكي ومن أمريكا الشمالية وأوروبا وأفريقيا وشمال الصحراء الكبرى ومعظم آسيا من ضمنها الجزر اليابانية وكذلك الجزر البريطانية وبهذا التحديد يصبح إقليم الوطن العربي ضمن منطقة المصير ذات الأهمية الكبيرة في حسابات المخططين لسيادة القوى الجوية فمن يتحكم في هذه المناطق التي يتداخل فيها النفوذ الجوي يسيطر على العالم كله، وعلى هذا الأساس تتحدث نظرية سفر سكي بما يلي:
1 - من يملك السيادة الجوية على مناطق تداخل النفوذ "منطقة المصير"
2 - من يتحكم بمنطقة المصير يسيطر على العالم كله.
وانطلاقا من هذه الفرضية وشعورا بتقدم الولايات المتحدة الأمريكية تكنولوجيا نجد سفرسكي يوصي الأمريكان بان يركزوا في خططهم العسكرية على التفوق الجوي وذلك ببناء قوة جوية ضاربة لا تفوقها أية قوة في العالم.
إلا أنه كان مؤمنا بقدرة روسيا وبريطانيا في بناء هذه القوى الجوية ولكنه كان ينتقد سياسة الولايات المتحدة الأمريكية في إشعال الحروب المحلية ذات المجال المحدود الضيق في العالم كالتي حدثت في كوريا او فيتنام وفي العراق أو الوطن العربي وما يحصل اليوم من عدوان صهيوني على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وكذلك في جنوب لبنان لأن هذه الحروب في رأيه تستنزف قوتها دون ان تحدث اثراً كبيراً في قوة شعوب هذه المناطق او قوة الدول المناصرة لها ولذلك كان يوصى الولايات المتحدة الأمريكية تجنب هذه السياسة لأن ممارستها لعبة خطرة على مستقبل العالم ودعاها الى تصفية جميع قواعدها في الخارج لأنها تكلف مبالغ طائلة دون جدوى مقابل قدرة الطائرات على العمل لمدى اوسع ولمسافات كبيرة من القواعد الوطنية.
المراجع:
الجغرافيا السياسية د. محمد احمد الخلف
مشكلات آسيا "ماهان"
القوة الجوية مفتاح للبقاء الكسندر دي سفرسكي
المحور الجغرافي للتاريخ هالفورد ماكندر.