
مَـرْحَبـاً يا خَيْرَ دَاعٍ
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون والكافرون والمنافقون واليهود والنصارى والطغاة والمستكبرون، فجاء بالحق هادياً للناس ومبشراً لهم بالفوز والفلاح والنجاة من عذاب الله وصراط الجحيم؛
ليخرجهم من عبادة الأصنام والأوثان والجبت والطاغوت إلى عبادة الله الواحد القهار الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة وهو الرحمن الرحيم الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحانه وتعالى عما يشركون، الذي لا إله إلا هو الحي القيوم فلا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السماوات وما في الأرض من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم، ربنا الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، خالق الخلق ورازقهم وفاطر السماوات والأرض العزيز الحكيم، وهو الله الذي يسجد له من في السماوات ومن في الأرض ويسبحه ما في السموات وما في الأرض وهو على كل شيء قدير .
وفي مكة المكرمة -أقدس وأشرف أرض خلقها الله سبحانه وتعالى- تلك الأرض المقدسة التي فيها وُضِعَ أول بيت للناس، ويؤمها العرب من كل فجٍ عميق ولد النبي الخاتم المصطفى أشرف خلق الله أجمعين، وخير الخلق وأفضلهم وأكرمهم عند الله مذ خلق آدم وإلى يوم الدين، فعاش في أرض مكة مع قومه الذين عرفوه بصدقه وأمانته فأسموه بالصادق الأمين، يستشيرونه لصدقه ولقوله القول الحق والفصل بلا رياءٍ أو محاباةٍ لأحد على حساب الآخر، والأمين الذي يأتمنه الناس على أموالهم وأسرارهم فيحفظ أسرار الناس وأماناتهم، فكان محل ثقة الناس ومحبتهم وإجلالهم له .
ولما اختلفوا في وضع الحجر الأسود في الكعبة المشرفة جاء محكماً عدلاً لا يحيد عن الحق ولا يميل، فارتضاه زعماء القبائل ففصل ذلك الخلاف بوضع الحجر على ردائه، وأمر زعماء القبائل بأن يأخذ كل واحد منهم بطرف من أطراف الرداء ثم وضعه بيديه الشريفتين في موضعه، فقبل بذلك الناس كلهم راضين مسلمين ومحبين.
إنه محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب بن هاشم حيث يصل نسبه الشريف إلى نبي الله إسماعيل بن نبي الله إبراهيم صلوات ربي وسلامه عليهم أجمعين.. إنه رسول الله وحبيبه الذي أرسله الله للناس كافة ورحمةً للعالمين.
فقد قضى جُلَّ شبابه في غار حراء يتعبّد الله ويسبحه متفكراً في خلق السموات والأرض، ومقدساً وممجداً لله رب العالمين حتى أتاه في يوم مبعثه أمين وحي الله جبرائيل -عليه السلام- بالوحي؛ لينذر قوماً ما أُنذر آباءهم وهم غافلون، وللأصنام عابدون، وللأوثان عاكفون، وفي الجهل والضلال يعمهون، وللحرمات ينتهكون، وللضعفاء يظلمون، ولبناتهم يئدون، وفي طريق الباطل سائرون.
فلما قام عبدالله ورسوله- صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله- ينذرهم ويدعوهم إلى عبادة الله الواحد الأحد الذي لا إله إلا هو رب العالمين تولوا وهم معرضون، فكذّبوه وقالوا إن هذا إلا ساحرٌ به جُنّة، فناصبوه العداء وتآمروا عليه، ففرضوا عليه وبني هاشم والذين آمنوا بالله معه حصاراً مطبقاً وجائراً في شعب أبي طالب بمكة المكرمة استمر لثلاث سنوات عانى فيه والذين معه أشد المعاناة، حتى قيل أن هناك من مات من الأطفال والنساء والرجال جوعاً من هول ذلك الحصار وتلك المعاناة التي كان فيها رسول الله وحبيبه يربط على بطنه بالحجارة من شدة الجوع، وبعد ثلاث سنوات أراد الله -سبحانه وتعالى- النصر والغلبة لنبيه الأمين، فكان ذلك بثورة رجال كانت لهم بقية من كرامة وإنسانية ومروءة، وكذلك معجزة ربانية حيث أتت دابة الأرض على تلك الوثيقة المشؤومة التي وقّع عليها زعماء مكة على فرض ذلك الحصار الظالم ولم يبق منها إلا عبارة "باسمك الّلهُمّ"، فلما جاء سيدنا أبو طالب -رضوان الله عليه- إلى زعماء قريش يخبرهم بأن الله -سبحانه وتعالى- قد سلّط دابة الأرض على تلك الوثيقة التي وُضعت في جوف الكعبة ذهبوا لرؤيتها فهالهم ذلك الأمر وبذلك انتهى الحصار.
ولكن طواغيت قريش لا يزالون على كبرهم وعنادهم وكفرهم وغيّهم وظلمهم، فبدؤوا بتعذيب المؤمنين بالله ورسوله، فأمرهم سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- بالهجرة إلى الحبشة، فكانت الهجرة الأولى والثانية.
ولكن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- كان يبحث عن مكانٍ آمنٍ وحاضنةٍ تحتضن الدعوة وبلدٍ يكون منطلقا لدعوته وفيها الناصر الصادق والمؤمنون الصادقون الذين رأوا الحق والنور والهدى، فخرج إلى الطائف ولكنهم كانوا أشد كفراً من قريش،
وفي الوقت المحدد أقبل من يثرب حجاج من الأوس والخزرج وهما قبيلتان يمنيتان كان التُّبّع اليماني قد أمرهم منذ زمن بالبقاء في تلك البقعة؛ لينصروا نبي آخر الزمان إذا ما جاء زمانه وظهر أمره، ولما وصلوا إلى مكة للحج التقوا برسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وعرفوا الحق والهدى والنور الذي أُنزل إليه، وحين أدركوا أنه نور الله الذي جاء ليخرج الناس من الظلمات إلى النور آمنوا به وبايعوه البيعة الأولى، وفي السنة الثانية كانت بيعة العقبة الثانية فبايعوه على أن يهاجر إليهم فيؤوه وينصروه فوافق على ذلك، وفي الوقت نفسه كان زعماء قريش من كفارها ومشركيها يخططون ويتآمرون للقضاء على رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وقتله وتوزيع دمه بين القبائل فيجد بنو هاشم أنفسهم عاجزين عن الثأر ، فإن لم يتمكنوا من قتله فإخراجه من مكة ..
ولكن الله -سبحانه وتعالى- قضى أمراً لم يكونوا يعلمونه ، ففي الليلة التي قضى الله ونزل جبرائيل عليه السلام بالوحي فيها بالهجرة والانطلاق إلى المدينة المنورة كان على الإمام علي- عليه السلام- أخ رسول الله وابن عمه وأول السابقين المؤمنين بالله ورسوله أن ينام على فراش رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- في تلك الليلة، وبأمر الله نام وبحفظ الله كان في أعظم موقف للتضحية والفداء، فخرج رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- والقتلة يحيطون بمنزله فأخذ الحصى من الأرض وألقاها على وجوههم قائلاً بقول الله سبحانه وتعالى: [وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ]، فاخذهم بفضل الله وقوته النوم والنعاس حتى خرج رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- بأمان الله وحفظه ورعايته وحراسته منطلقاً إلى حيث وجهته سالكاً طريقه وحين أوى إلى غار ثور بصحبة دليله أيّده الله- عز وجل- بجنود لا قبل لكفار قريش وغيرهم على رؤيتها فانصرفت عن الغار أنظار المشركين فرجعوا خائبين. وأما سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- فقد مضي يشقّ طريقه وصولاً إلى المدينة المنورة بسلام وأمان حتى وصل إلى مشارفها والناس هناك ينتظرون بفارغ الصبر قدوم حبيبهم ونبيهم وهاديهم وخير داعٍ ليحل عليهم كريماً عزيزاً، فاستقبله أهل المدينة رجالاً ونساءً وأطفالاً فرحين مهللين مكبرين منشدين على وقع الدفوف بأنشودتهم التي اهتز لها الكون:
طلع البدر علينا
من ثنيات الوداع
وجب الشكر علينا
ما دعا لله داع
أيها المبعوث فينا
جئت بالأمر المطاع
جئت شرّفت المدينة
مرحباً يا خير داع
فكانوا هم الأنصار أنصار الله ورسوله الذين رأوا الحق والنور والهدى وعرفوه، فأعزهم الله به ونصرهم ومكنهم في الأرض.
وأما الإمام علي- عليه السلام- لما وجده المشركون نائماً على فراش رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- لم يجرؤوا على النيل منه، ومن اليوم التالي قام برد الأمانات التي كانت عند رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- إلى أهلها، حتى إذا أكمل هذه المهمة بدأ بإعداد العدة للهجرة مصطحباً معه "الفواطم" وهن "أمه فاطمة بنت أسد، وبضعة رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- فاطمة الزهراء، وثلاث أخريات من بني هاشم، وخرج بهن وهو متوشحٌ لسيفه متأهبٌ مستعدٌ للقاء الأعداء، فلم يجرؤ أحدٌ على مواجهته، فواصل طريقه حتى وصل إلى المدينة المنورة بحفظ الله وحمايته ورعايته .
وهناك في المدينة المنورة بدأ المسلمون ببناء أول مسجد، ودعا رسول الله-صلى الله عليه وآله وسلم- المهاجرين والأنصار إلى المؤاخاة، فآخى بينهم بمؤاخاة بلغت إلى الحد الذي اقتسم كل أنصاري بيته بينه وبين أخيه من المهاجرين، وطلاق الأنصاري لإحدى زوجاته ليتزوجها أخوه المهاجر، فما أعظم هذه المواقف التي لم يعرفها التاريخ قط!!
وأما الإمام علي فكان أخاً لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا هو فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم.
ولا يزال الأنصار بأحفادهم اليمانيين يقدمون هذه التضحيات وذلك الإيثار وتلك النصرة واقتداءً بكل محبةٍ وإيمانٍ وصدقٍ وإخلاصٍ ابتغاءً لمرضات الله عز وجل في زماننا هذا زمان قائم آل محمدٍ سبط رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- وحفيد الإمام علي- عليه السلام- السيد القائد عبدالملك بن بدر الدين الحوثي حفظه الله وأبقاه وأعزّ به الإسلام والمسلمين..والعاقبة للمتقين، والحمد لله رب العالمين.