كتابات | آراء

القبائل والحكومة والتاريخ في اليمن .. بول دريش جامعة أكسفورد«41»

القبائل والحكومة والتاريخ في اليمن .. بول دريش جامعة أكسفورد«41»

بدا أن وفاة الملك أحمد في سبتمبر 1962م قد وفرت اللحظة المناسبة التي كان المتآمرون ينتظرونها وبعد تولي محمد البدر العرش أصدر على الفور عددًا من المراسيم الإصلاحية دعت إلى انتخاب مجلس شورى يكون فيه لكل ستين ألف نسمة من سكان البلاد ممثل واحد

كما وعد الملك الجديد والإمام بالحكم الذاتي للبلديات تحت إشراف اتحاد بلديات وأصدر مرسوماً بإلغاء جميع المستحقات الإقطاعية والعفو عن السجناء السياسيين والمنفيين وإنهاء نظام احتجاز الرهائن من أفراد العائلات البارزة لضمان حسن سلوك عشائرهم لقد بذل البدر جهده في تشكيل حكومة من الموهوبين والمستنيرين وعهد إلى مسؤولية الجدد بمهمة وضع وتنفيذ برنامج للإصلاح الإداري الحديث في جميع دوائر الحكومة وأعلن البدر في خطابه الافتتاحي عن نيته إدخال مبدأ المساواة أمام القانون ودعا كافة اليمنيين إلى بذل كل ما في وسعهم لدعم البرنامج الإصلاحي في مسيرتنا نحو الحداثة وقد لقي خطاب الملك الشاب استحسانا كبيرا في اليمن من قبل جميع فئات الشعب، كان الجميع يعلم أن البدر كان في عهد الإمام أحمد على خلاف دائم مع والده المحافظ المتزمت تجاه التقاليد اليمنية الذي جعله يعاني بسبب أفكاره التقدمية، لقد توقع الشعب اليمني أشياء عظيمة من حاكمه الجديد ولقد أصبح من الواضح الآن أنه سيتعين على المتآمرين أن يضربوا قبل أن تتاح للبدر فرصة لتطبيق برنامجه الإصلاحي وفي ليلة 26سبتمبر/أيلول أي بعد ثمانية أيام فقط من وفاة الإمام أحمد حشد ضباط الخلية العسكرية عدداً من القوات المسلحة بأسلحة حديثة ثقيلة بما في ذلك وحدات من المدفعية ودون إبلاغ الجنود بنيتهم ساروا بهم نحو قصر البشائر وهو القصر الملكي حيث كان الإمام وعدد من أقاربه نائمين فسمع أحد الموالين للملك ما كان يحدث وتمكن من إيقاظ الإمام البدر قبل أن يوجه الضباط المتمردون أسلحتهم نحو القصر ومن ثم لم تكن المفاجأة كاملة ولأن المقر الملكي لم يكن مخصصًا للدفاع فسرعان ما دمرته المدفعية الجمهورية إلا أن البدر وحراسه قد نجحوا في الصمود بين الأنقاض لمدة اثنتي عشرة ساعة وبحلول هذا الوقت كان شروق نهار (27سبتمبر) ونفدت ذخيرة المدافعين فقرر البدر الفرار وتمكن بطريقة ما من الفرار عبر البلاد إلى حجة على بعد حوالي سبعين كيلومتراً من صنعاء ولم يكن عدد من وزرائه والعلماء الأعضاء في المجلس الديني وشيوخ القبائل الموالين للنظام الملكي وغيرهم من أعضاء العائلة المالكة والحراس الذين دافعوا عنهم محظوظين جدًا وحتى الأمير الحسن بن علي الذي لم تكن له أي علاقة بالحكومة ولكنه كان يتمتع بشعبية كبيرة لدى الشعب اليمني قُتل في ظروف وحشية شديدة خلال اليومين الأولين من الثورة كما تم إعدام سبعة وأربعون من القادة الملكيين المعروفين وما لا يقل عن خمسمائة شخص آخر, لقد مر بعض الوقت قبل أن يصبح خبر هروب الإمام مسألة معرفة عامة وأكدت إذاعات صنعاء والقاهرة للعالم أنه قد مات تحت أنقاض القصر فقام عمه الأمير الحسن بإدارة القبائل الشمالية والشرقية نيابة عن النظام الملكي واستعد للتقدم نحو صنعاء وقد أعلنه أعضاء مجلس العلماء الباقين على قيد الحياة إماما وملكا ولكنه بمجرد أن اكتشف أن الإمام البدر ما يزال على قيد الحياة تعهد على الفور بالولاء للحاكم اليمني الشرعي,ومع ظهور بدايات المقاومة الشعبية لصالح الإمامة لجأت الحكومة الجمهورية المنشأة حديثًا إلى القاهرة طلبا للمساعدة فأرسل عبدالناصر ثلاثين ألفًا من المرتزقة إلى اليمن مع وحدات الطائرات والدبابات والمدفعية وهكذا بدأت واحدة من أكثر الحروب دموية وأطولها في العصر الحديث والتي طلب فيها الانقلابيون من دولة أخرى أن ترسل جيوشا لقتل أبناء بلدهم وهي الحرب التي تجاهلتها الصحافة الأمريكية بالكامل تقريبا وقُتل فيها ما يقرب من ربع مليون يمني من مختلف الأعمار والطبقات وظروف الحياة والآراء السياسية في حين فقد نحو 25ألف إلى 30 ألف مرتزق مصري حياتهم لصالح عبدالناصر في اليمن.
سارعت الولايات المتحدة والأمم المتحدة ودول الكتلة السوفييتية إلى الاعتراف بالنظام الجديد الذي منح اليمن مقعداً في الأمم المتحدة ولم تمنح بريطانيا العظمى مثل هذا الاعتراف الدبلوماسي للحكومة الجديدة وعلى مدار العام وبحسب ما ورد أنهم كانوا يزودون الملكيين اليمنيين بالأسلحة التي كان يتم إرسالها إليهم عن طريق عدن وبيحان المتاخمة للحدود الجنوبية لليمن .

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا